السبت، 19 أبريل 2008

الهلاك غرقاً أفضل من الموت فقراً

الناجون من كوابيس الهجرة غير الشرعية:
الهلاك غرقا أفضل من الموت فقرا
رغبة جامحة تدفع الشباب الي المجهول .. ربما للبحث عن نصف فرصة لعيش حياة كريمة بعيداً عن وطن ضاقت فية سبل العيش وربما الي الموت غرقاً .. بابً مفتوح علي مصراعيه لهلاك الآلاف بعد ان رهنوا ممتلكاتهم واستدانوا ليدفعوا للسماسرة ثمن نقلهم الي قوارب الموت .. منهم من ذاب جسده وذابت معه احلامه في أمواج البحر العاتية ، ومنهم من عاد بخفي حنين .. لكنه سيعاود المحاولة ... كيف ولماذا تعالوا نسمع أراءهم قبل إطلاق أحكام عليهم.

بيت من الطوب في قرية (بدّين ) بمحافظة المنصورة يبدو لك من خارجة ببابه الحديد والسلالم السيراميك وكأنه بيت أسرة مصرية ميسورة الحال ولكن بداخلة تشعر معنى العيش بالقليل بل بأقل من القليل .. التواضع في كل قطعة بالمنزل والبساطة في حجرة الطعام وبقايا من قطع الخبز والجبن على طبلية بلدي ... هو بيت أسرة غطي وجهها علامات من الحزن والحسرة .. فلايملكون سوي بيت مرهون والدعاء على ( اللي كان السبب..) .. بيت أسرة عبد اللطيف التى عاش ابنائها عطية وسامح لحظات الموت غرقاً وسط أمواج البحار وجوعاً في غابات اوكرانيا.
حجم المأساة يجسدها سامح عبد اللطيف ــ دبلوم صنايع ــ عندما روي قصته مع محاولات الهجرة الغير شرعية فيقول : قررت السفر الي ايطاليا فدفعت 35 ألف جنية لأحد الوسطاء في قريتنا ، بدأت الرحلة عندما ركبنا أنا وابناء قريتي الميكروباص الي مدينة ( زوارة ) وبعد شهر من ( التخزين ) حشروني أنا و 118 نفر فى مركب طولة 17 متر وعرضة 4 أمتار ،وعشنا الاهوال علي مدار 4 أيام في البحر، وفجاة أمطرت السماء وكان بيننا وبين ايطاليا ساعتين وايقننا اننا سنهلك في وسط البحر ولكن ربنا أرسل لنا سفينة فرنسية بالقرب منا وبعد محاولات من العوم لمدة ساعه نجحت في الوصول اليها ونجوت وتم ترحيلينا الي مصر يا ملاي كما خلقتنى ! .
ويفاجئنا سامح ويضيف : لقد كررت محاولة السفر إلي ايطاليا ثلاث مرات وكل مرة أفشل وساحاول مرات أخري لاني خاطب من 5 سنين وعروستي محتاجة أكثر من عشرين ألف جنية ومش عارف اتجوز ، ولا يوجد لي فرصة عمل هنا إلا جامع للقمامة .
خطف وجوع وترحيل
انتهت قصة سامح لكن معاناة اسرته لم تنتهي . فالحقيقة تقول ان نفس الاسرة عاشت مأساة أخري . فشقيق سامح الاكبر عطية ــ يعمل سائقاًــ له قصة أخري مع الهجرة الي ايطاليا ربما كانت اكثر ايلاماً ومعاناة من قصة شقيقه سامح.
فيقول عطية : قررت السفر الي ايطاليا بعد أن أوهمني أحد السماسرة النصابين بإمكانية دخول إيطاليا عن طريق السفر الي موسكو ، ودفعت له 40 ألف جنية وبعد الوصول الي موسكو عبرنا الي بيلاروسيا حتي وصلنا الي غابات أوكرانيا ثم تركنا الدليل الذي كان معنا واصبحنا تائهين لانعلم شيء ، وخطفتنا عصابة من قطاع الطريق وأخذوا ما معنا من أموال وطعام ثم تركونا بعد ما شفنا الويل واتخن واحد فينا بقي زى الفتلة بسبب قلة الاكل ، وبعد 8 شهور وأثناء السفر عبر حدود أوكرانيا اتمسكنا علي الحدود وتدخل السفير المصري في أوكرانيا وأعادنا الي مصر جواً .. فعدت الي بلدنا وكأنك يا أبو زيد ما غزيت !
وعن نيته في تكرار التجربة مرة أخري يقول عطية : منين ... أجيب فلوس للسفر ؟ ولكننى ساحاول !! .
تتدخل والدة سامح وعطية ــ 55 عام ــ وملامح الحزن والاسي في عينيها فى الحوار وتقول : أنا موافقة علي سفر أولادي تانى وتالت ورابع ! ومش خايفة عليهم من الموت لان احنا كده ميتين وكده ميتين .. الديون علينا بالكوم وواخدين قرض من البنك والبيت مرهون وأرضنا بعناها وحياتنا بقت ضنك ..يبقي لازم اشجعهم على السفر تانى وتالت كمان !
وما خفي كان أعظم!
فهذا السيناريو لم يعيشه سامح وعطية فقط بل يعيشة الكثير من الشباب وتعانى منه العديد من الاسر التي فقدت عائلها في محاولات الهروب، حيث أكدت مؤسسة ( أولاد الأرض ) لحقوق الانسان أنه منذ بداية عام 2007 وخلال عشرة أشهر كانت المحصلة النهائية لضحايا الهجرة الغير شرعية 153 قتيلاً و158 مفقوداً وترحيل 1000 شاب مصري من بلاد حاولوا التسلل اليها وعلى رأسها إيطاليا وليبيا وسوريا واليونان وايران . وذكرت المؤسسة أن تلك الأرقام هي فقط ما أستطاعت الوصول إلية من خلال البحث والتدقيق ولكن لايزال هناك الكثير من الحوادث والتجارب التي لم يعلم عنها أحد.
وعن الأسباب الاقتصادية لهجرة الشباب الغير شرعية يقول حمدي عبد العظيم ــ أستاذ في الاقتصاد والعلوم الادارية ــ : أهم تلك الاسباب هي معاناة الشاب من البطالة وعدم وجود فرص عمل تناسب تخصصة وإن وجدت تأتي بأجر منخفض لا يتناسب مع غلاء الاسعار ، بجانب الطموح الزائد للشباب والرغية في الثراء السريع ، فيلجأ الشاب الي الهجرة بطرق غير مشروعة الي بلاد أوربا كإيطاليا واليونان لارتفاع الاجور بها ، حيث يصل الراتب الي 6 الاف يورو في الشهر بما يعادل 45 ألف جنية مصري .
ويضيف حمدي عبد العظيم : أن المبلغ الذي يدفعه الشاب لسمسار الهجرة يبدأ من 25 ألف جنية في حين أنه من الممكن استغلاله في إقامة مشروع استثماري كمرحلة إبتدائية وسيدر علية ربح مستقبلاً .
جريمة منظمة
توضح إيمان الشريف ــ أستاذة في قسم بحوث الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ــ : أن عمليات تهريب المسافرين وراغبي السفر بالطرق الغير شرعية تشكل نوعاً جديداً من أنواع الجريمة المنظمة ، وأشارت إلي قيام المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ببحث إجتماعي لرصد حجم الظاهرة فتم مسح العديد من المحافظات ووجد أن محافظة الفيوم وخاصة قرية تطون ــ أسم مأخوذ عن أحد شوارع إيطاليا ــ هي الاشهر علي مستوى الجمهورية في هجرة الشباب خاصة الي إيطاليا فبها حوالي 6 الاف شاب من 40 ألف نسمة .
وعن كيفية مواجهة المجتمع لعمليات التهريب المستمرة بالطرق الغير شرعية تقول استاذة إيمان : تتم المواجهة بتكاتف مؤسسات المجتمع والتوعية من الاسرة ووسائل الاعلام ، وعلي الدولة تشديد الرقابة علي منافذ الخروج البرية والبحرية ، و تشديد العقوبة علي السمسار الذي يقوم بتسفير الشباب ومعاقبة الشاب الذي حاول القيام بهذه الجريمة لانه لا يعتبر ضحية ولكنه متهم بقدر اشتراكه في جريمة التسلل لبلاد أخري بأوراق مزورة .
حملات واتفاقيات .... ولكن!
يعرض مجدي عثمان ــ رئيس قطاع الهجرة ووكيل أول وزارة القوى العاملة والهجرة ــ أخر إجراءات الوزارة للحد من هذه الظاهرة قائلاً : تقوم الوزارة بتنظيم حملة إعلامية للقضاء علي الظاهرة ولتوعية الشباب بمخاطرها وفي إطار ذلك تم توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الاعلام ووزارة القوى العاملة والهجرة ، كما قامت الوزارة بعقد اتفاقيات ثنائية بين الدول المصدرة والدول المستقبلة للهجرة لضمان الحماية الاجتماعية والرعاية المتكاملة للعمالة المهاجرة ومنها الاتفاقية المميزة المطبقة بين مصر وإيطاليا ، وتسعي الوزارة لتطبيق اتفاقيات مماثلة مع دول الاتحاد الاوربي واليونان وقبرص لتنظيم تدفقات هجرة العمالة لديهم .
يضيف مجدي عثمان : كما تصدر الوزارة نشرة قومية للتوظيف كل أسبوع وتوفر قاعدة بيانات للراغبين في العمل والهجرة علي الموقع الالكترونى للوزارة وبلغ عدد الراغبين في العمل بالداخل 2و نصف مليون والراغبين في العمل الموسمي والمؤقت بالخارج 100 ألف وراغبي الهجرة 85 ألف .
فرص عمل بالجملة
ويبقي السؤال .. ماذا تفعل الدولة لانقاذ الشباب من براثن التفكير في الهجرة الغير شرعية .. الاجابة تأتي على لسان هاني سيف النصر ــ الأمين العام للصندوق الأجتماعي للتنمية ــ فيقول : الخدمات المختلفة التي يقدمها الصندوق الاجتماعي تستحق من الشباب أن يجربوها بدلآً من تلك المغامرات الغير مشروعة .
ويشير سيف النصر الي ان هناك ما لا يقل عن 721 ألف مشروع صغير ومتناهي الصغر قد تم تمويلهم من خلال الصندوق الاجتماعي وأكثر من 98% من تلك المشروعات ناجحة وتوفر دخل جيد لأصحابها ووفرت ما يزيد عن مليون ونصف فرصة عمل في 12 محافظة حتي الآن .
ويوضح هاني سيف النصر أن الصندوق حالياً يقدم كافة أوجة الدعم والتسهيلات للشباب الراغب في إقامة مشروعات صغيرة كحلاً من جانبة للحد من ظاهرة الهجرة الغير شرعية وذلك من خلال مجمعات الخدمات التي توفر الأرض والماكينات والخامات الازمة للانتاج بالأضافة إلي تسويق المنتجات وضمان نجاح المشروع .
وحول القدرات والمؤهلات المطلوبة لأقامة مشروع صغير قال سيف النصر : ان الصندوق يوفر قروض المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر لكافة المؤهلات ويمكن التقدم بشهادة محو الأمية ويبدأ التمويل للمشروعات من 5 الاف جنية ويصل حتي مليون جنية تبعاً لحجم المشروع ونوعه وقدرته علي استيعاب عمالة .


تحقيق : آيـــة صادق




2 تفاعل معنا:

غير معرف يقول...

الموضوع كويس جدا
بيناقش قضيه مهمه جدا
بس ياترى هل مصيرنا _احنا الجيل الجاى_ هايبقى كدة؟؟ ولا بلدنا هتعمل ايه
الله اعلم

غير معرف يقول...

والله بجد موضوع كويس جدا بجد حال مجتمعنا
بقى لايسر عدو ولا حبيب
بجد ربنا ينجينا من الفساد اللى انتشر دة..
بس مش هنقدر نقول غير ربنا يصلح حال مجتمعنا اللى عمل فى شبابنا كدة
شكرا يا ايه على الموضوع