الاثنين، 9 يونيو 2008

"العين الحمرا" استراتيجية نسائية جديدة لمواجهة التحرشات

كانت منى عائدة مع صديقتها بعد الانتهاء من درس الفيزياء فاستوقفتهم مرأة منقبة وسألتهم عن الساعة، شعرت منى بالخوف عندما لاحظت أن المرأة تنتعل حذاء رجالي فاستنتجت أنها رجل متنكر، فأجابته وانصرفت مسرعة ولكنه ظل يتبعهم في زيه النسائي المزعوم فأسرعت في الخطى هي وصديقتها فأسرع ورائهم فانطلقوا في الجري وهو لا يزال ورائهم، وكانوا قد اقتربوا من منزلهم فأخذوا يصيحون منادين أخوها وعندما ظهر ورآه الرجل فر هاربا، انهارت الفتاتان وأخذن في البكاء وكما قالت منى" ظللت عدة أيام لا أخرج إلى الشارع فلن أنسى هذا الموقف ما حييت".


ليست منى الوحيدة التى تتعرض لهذا الموقف ولكن هناك آلاف الفتيات والسيدات اللاتى يتعرضن لهذه المواقف سواء أثناء سيرهن فى الشوارع أو فى أماكن عملهن، وإليك عزيزى القارىء نماذج أخرى لظاهرة التحرش بالفتيات.
- استقلت أمنية الأتوبيس للذهاب للجامعة وفى الأتوبيس اصطدم بها شاب عن قصد فلم تهتم فإلتصق بها ببجاحة فجن جنونها وأوشكت على الشجار معه ولكن مازاد من جنونها هو موقف جميع من حولها حيث ظلوا واقفين يشاهدوه وهو يعاكسها بكلمات وقحة دون أن يوقفه أحد عند حده ويقول له "عيب كده".
- وسيدة أخرى كانت عائدة من عملها فتبعها مجموعة من الشباب وهم يعاكسونها بكلمات بذيئة ويحاولون التحرش بها بالاقتراب منها، فوجدت أمامها سيارة شرطة فقررت الاحتماء بهم وعندما ذهبت إليهم تشكو هؤلاء الشباب رد عليها الشرطي قائلا "عندهم حق ما أنت حلوة أوى!! وكما قالت " لم أصدق أذني فهل هذه هي الشرطة التي من المفروض أن تحمينا، أنا فعلا مذهولة !!"
- وكما قالت عزة لنا " كنت عائدة من الجامعة مع صديقتي وتبعنا شابين يعاكسوننا بألفاظ بذيئة ويعلقون على أشياء محرجة فلم نهتم لهم ولكنهم ظلوا يتبعوننا، وبدأ الناس ينظرون إلينا فقررت أن أنهى هذا الموقف فاستدرت فجأة وقلت له" في حاجة يا أخ" فقال لي " أنا أسف يا آنسة" وذهب وتركنا، “ هما أصلهم ما بيجوش غير بالعين الحمرا".
- كانت سارة تسير مع صديقتها بجوار سور المدرسة في المرواح وكان هناك مجموعة من أولاد المدرسة قادمين في اتجاههم ومجموعة أخرى من الأولاد خلفهم فأشاروا لبعضهم بطريقة خفية أن يقوموا بحبس الفتاتان في المنتصف بينهم، وبالفعل أخذت المجموعتين في الاقتراب حتى أصبحت الفتاتان بينهم، استطاعت صديقتها الفرار أما سارة فضربتهم بكل قوتها فدفعتهم بعيدا وفرت هاربة ولا تعرف من أين أتتها هذه القوة "يا روح ما بعدك روح".
هذه المواقف هي مجرد نماذج بسيطة جدا مما تتعرض له الفتيات فى شوارع مصر، فقد أثبتت الدراسة التى أعدها المركز المصرى لحقوق المرأة أن 40%من النساء المصريات يتعرضن للتحرش الجنسى باللمس و30% بالألفاظ البذيئة، كما أن فئة الأطفال ممن يقومون بالتحرش ليست بقليلة فقد كانت 10.4% وهى ليست بالنسبة القليلة مما يعنى لنا أن أطفالنا أصبحوا يقومون بعملية محاكاة لما يقوم به الأكبر منهم وأصبحوا في خطر ولابد لنا من أن نعمل معا لحل هذه المشكلة حتى لا تتفاقم في المستقبل.
الإعلام المتهم الأول
وعن هذه الظاهرة قالت انجى غزلان مسئولة مكافحة التحرش بالمركز المصرى لحقوق المرأة أن للإعلام دور كبير فى زيادة هذه الظاهرة ويعتبر المتهم الأول فيها عن طريق تنميط صورة المرأة فى المجتمع، فعندما يشاهد الشباب المرأة يوميا فى قنوات الفيديو كليب والقنوات الفضائية على أنها مرأة عارية ماجنة تقدم الإغراء وتعمل فى الملاهى الليلية، كل هذا يكون صورة نمطية للمرأة فى أذهان الشباب فيظن أن كل فتاه فى الشارع هى من هذا النوع وأنها من السهل الوصول إليها، فهذه القنوات تستفز الشباب للتحرش بالمرأة، بالطبع هذا ليس عذرا لهم ولكنه سبب مهم جدا فى انتشار الظاهرة.
ولذلك ترى انجى ان الاعلام لابد أن يكون له دور أيضا للحد من هذه الظاهرة عن طريق عمل برامج هادفة للتكلم عن هذه القضية وتوعية البنات والشباب بها وخصوصا المسلسلات نظرا لأنها مادة جذابة للجمهور فلو تناولت هذه القضية بشكل محترم وجذاب سيكون لها تأثير كبير فى تغييرفكرة الشباب عن المرأة.
وقد قام المركز نظرا لخطورة هذه الظاهرة على المجتمع بعمل حملة لمكافحتها تعتمد فى أكثرها على المتطوعين من شباب الجنسين وكذلك يقوم حاليا بعمل فيلم كارتون لتوعية أطفال المدارس بهذه الظاهرة وكيفية احترام مساحة الجسم وكيف يحترم الولد زميلته فى المدرسة ويتعامل معها وذلك فى محاولة للتغيير فى العقول لجعل الوضع أحسن وءأمن للبنت.
المتحرش شخصية جبانة
وأكدت انجى أن المتحرش شخصية جبانة لا يخاف من ردود الافعال، فهو يتوسم فى البنت الضعف والخوف ولذلك يتحرش بها وهو لايخشاها فلو عرف أنها نم الممكن أن ترد عليه فسيفكر ألف مرة قبل التعرض لها.
دور المسئولين
وقد أشارت انجى إلى أن القوانين التى تحمى المرأة فى مصر غير مفعلة نتيجة صعوبة اجراءات إثبات الواقعة على الفتاة وكذلك خوف الفتاة فى أحيان كثيرة من الذهاب للقسم، ولذلك فهم يناشدوا المسئولين لعمل تعديلات فى القوانين لتسهيل الاثباتات على الفتاة حتى يتم تطبيق القوانين كما يجب أن تكون وكذلك حتى تتمكن المرأة من الحصول على حقها فى الحماية والأمان داخل بلدها، وكذلك تفعيل دور الأمن فى الشوارع المصرية وعمل خط ساخن لنجدة الفتاه فى أى وقت اذا تعرض لها شخص يحاول التحرش بها أو اختطافها.
وداعا للسلبية
وتنصح انجى كل فتاه اذا تعرضت لهذا الموقف أن تطلب المساعدة من الناس حولها بالطبع من حد محترم فهناك ناس محترمة كثيرة فالدنيا ليست غابة حتى الآن، ومحاولة الإمساك بالمتحرش والاصرار على عمل محضر والاستعانة بالشهود فى الشارع، لأنها حتى اذا لم تحصل على حكم فهى على الأقل أخذت هذه الخطوة وأوصلت لهذا المتحرش أنها لم تقف ساكنة إزاء إيذائه لمشاعرها وانتهاكه لحرماتها وبهذا سيعرف كل شاب أن الموضوع ليس سهل وأنه هناك عاقبة لهذه الأفعال وأنه إذا تحرش بأى فتاة لن يفلت دون عقوبة، واعتقد أنه إذا فعلت كل فتاة ذلك سيفكر كل شاب ألف مرة قبل أن يتعرض لها.
وتدعو انجى كل فتاة حتى تتجنب الوقوع فى هذا الموقف ألا تكون ملابسها مبهرجة وملفتة للأنظار ومستفزة للشباب وأن تكون مقبولة بشكل عام، وأن تظهر رفضها لهذا الموقف تماما فهى اذا ابتسمت يعتبرها الشاب اشارة للاستمرار فى معاكساته الغير لائقة، وكذلك ألا تمشى فى الشارع فى أوقات غير مناسبة بمفردها وخصوصا فى الشوارع المظلمة والفارغة وفى أوقات متأخرة.
شخصية المتحرش
وعن شخصية المتحرش تقول الدكتورة صفية عفت أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس أن المتحرش في بعض الأحيان يكون مريض نفسي عنده مرض يسمى " الهوس" فيكون عنده طاقة جنسية زائدة فيبدأ بالتحرش كجزء من أعراض المرض وأضافت أن النسبة الأكبر من المتحرشين عادة يكونون شخصيات غير سوية، شخصية ضد المجتمع وهى ما تسمى " الشخصية السيكوباتية" ، وأنه هناك شريحة ثالثة يكون عندهم اضطرا بات جنسية فيقوم بالاستمتاع بأشياء غير مألوفة اجتماعيا فمن الممكن أن تكون كل متعته في الحياة أن يحتك بامرأة فقط .
الآثار النفسية
وعن الآثار النفسية السيئة التى يمكن أن تصيب المرأة اذا تعرضت للتحرش تقول الدكتورة صفية: إذا تعرضت المرأة للتحرش فإنها تشعر أن هناك شىء سلب منها غصب عنها فتشعر بالقهر والعجز مما يصيبها بالاكتئاب، ولو تعرضت للتحرش بصورة فجة أو شديدة فهذا يصيبها بحالة من الهلع والقلق النفسي الشديد الواصل إلى حد الصدمة العصبية.
وتنصح الدكتورة صفية أى فتاه تعرضت لهذا الموقف ألا تكتم ذلك فى نفسها وأن تظهر احساس القهر والقلق والغيظ حتى لا تصاب بالاكتئاب وأن تلجأ إلى شخص موثوق به للوقوف بجانبها، و أشارت أيضا إلى أهمية دور الأهل وأنهم لابد أن يكون موقفهم متفهم ومساند فلا داعى لللوم الزائد أو التأنيب أو التوبيخ فكل هذه الأشياء تزيد من احساس الفتاة بالقهر والعجز فلابد أن يكون موقف الأهل مساند وليس منتقد ويساعدونها أن تتجنب فيما بعد أى مواقف تعرضها للتحرش.
وترى الاستاذة الدكتورة فادية أبو شهبة أستاذ القانون الجنائى ورئيس قسم المعاملة الجنائية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن إنتشارالمخدرات والمسكرات وظاهرة البطالة وعدم معرفة الشباب لكيفية قضاء أوقات الفراغ بشكل سليم وتأخر سن الزواج تأثير كبير فى انتشار هذه الظاهرة، وكذلك أفلام الفيديو والفيديو كليب وانتشار الانترنت والمواقع الإباحية، فقد أثبتت الدراسات أن مصر من من أكثر الدول استخداما للمواقع الإباحية على الانترنت.
وقد حذرت الدكتورة فادية من تفاقم هذه الظاهرة فى المجتمع فإذا تفاقمت لن يعد المجتمع آمن للمرأة ويصبح مجتمع فاسد فإذا انعدمت القيم الدينية والأخلاقية التى تحكم المجتمع فلن يكون هناك مجتمع وستصبح "مصيبة سودااا".
المحاضر
وقد صرح النقيب عبد العزيزالحامولى معاون مباحث قسم الوايلى بأن نسبة البلاغات عن التحرش الجنسى تختلف من دائرة إلى أخرى ومن محافظة إلى أخرى ولكن هناك أكثر من 90% من الحالات لا يتم الابلاغ عنها فى أقسام الشرطة خاصة فى المناطق التى تأخذ بمنطق العار والعيب والتستر، وكذلك تختلف النسبة حسب طبيعة الفعل فحالات المعاكسات غالبا لا يتم الإفصاح عنها أو الإبلاغ عنها لكونها للأسف أمر طبيعى الآن.!!
إلا أنه أكد أنه فى حالة الإبلاغ عن أى واقعة يتم التعامل معها بمنتهى الجدية والحزم ويتم إتخاذ كافة الاجراءات للإمساك بالجانى وتطبيق القوانين عليه.

تحقيق:تسنيم رسمى

0 تفاعل معنا: