السبت، 7 يونيو 2008

انقراض الحرف اليدوية‮ ‬

رسومات جميلة وأشكال متعددة قد تكون هى السبب فى اختيارك لقطعة ديكور أو أثاث أو تركك لها، تتنوع بين إشكال بارزه ورسومات محفورة على الخشب او النحاس، وفى النهاية تبدو للجمهور كعمل فنى دقيق، ولا يمكن إن تخطأ العين فى إنها صناعة يدوية.
هذه الحرف أصبحت تعانى الوحدة والندرة، فالخامات غالية، والحرفيين انقرضوا والتسويق عشوائى يتم بجهد فردى، تناساها المسؤلين، فلا توجد جهة رسمية ترعى هذه الحرف وتمد لها يد العون.
أصبحت هذه الحرف مثلها مثل العديد من الأشياء التى تختفى مع الوقت من حياتنا، فما هو حال الحرف اليدوية الأن وما هى متاعبها؟ وهل هناك بصيص أمل لإحيائها من جديد؟

سعيد صلاح محسن شاب فى أواخر الثلاثينيات من عمره يعمل بالنقش على النحاس، تعلم هذه المهنة على يد والده - ولم يكن وقتها قد تجاوز الثانية عشرة - فى محل جده فى ربع السلحدار بخان الخليلى.
حال "سعيد" هو حال كل من يعمل بهذه المهنة قلق عليها حزين لما آلت إليه حتى أنه تمنى لو أدركه الوقت وترك هذه المهنة، يقول سعيد: عندما تعلمت هذه المهنة كان الحال مختلف، وكان هناك الكثيرين يعملون بالورشة أما الآن فلم يتبقى سواى واثنين آخرين من الحرفيين، ولم يعد أحد يأتى لتعلم المهنة وحتى لو آتى شاب فليس لديه الصبر لكى يستمر بها بالإضافة إلى أنها لم تعد تعطينا العائد الكافى "لفتح بيت" .
ووقت العمل قل فالقطعة النحاسية التى كنا نزخرفها فى يوم أو أكثر لم تعد تأخذ أكثر من ست ساعات حتى نعطى ناتج أكبر فسعر المنتج قل والمنتجات قلت عما كنا ننتجه أيام جدى، وشغل الميكنة أثر على ما ننتجه فهم يعرضون المنتج بسعر أقل ، وما جعل حال المهنة أكثر سوءاً هى المنتجات الصينية التى طغت على إنتاجنا وحتى على إنتاج الماكينات ، ولكن حرفة النقش على النحاس تمتاز بطبيعة خاصة فقد ارتبط بها المصريون منذ مئات السنين لما كانت توفيه من احتياجاتهم ولتوافر خام النحاس وإتقان المصريين لصناعتها والنقش عليها وبمرور الوقت تحولت هذه الحرفة الى منتجات جمالية يقتنيها الناس، ويتنوع انتاج الورش للمشغولات النحاسية كما يضيف سعيد لتشمل الصوانى المربعة أو المستطيلة أو المستديرة والطفايات و بولات الزرع والزهريات.
أما محسن فهمى الحاصل على بكالوريوس تجارة " صاحب ورشة للنقش على النحاس" فحرص على تعليم أبنائه حرفة النقش على النحاس وفى نفس الوقت لم يحرمهم من حقهم فى التعليم إيمانا منه بأن الحرف اليدوية توفر فرص عمل حقيقية فى زمن أصبح فيه من يمتلك "عربية فول" كما يقول محسن أحسن من خريج الجامعة ولكن من سيجد عربية الفول؟
ويرى محسن أن المنتجات الصينية تنافس إنتاجهم من حيث الوقت وتنوع الإنتاج والسعر رغم أنها لا تنافسهم فى الخامة والجودة ولكن المشترى لا يهتم سوى بالسعر والشكل النهائى.
ويؤكد جمال زكريا الذى يعمل فى صناعة الحفر على الخشب ان هذه الحرفة تكاد تختفى فهى مثل اى حرفة أخرى يتميز فيها من يواكب التطور، ويكون مطلعا على كل ماهو جديد، وللأسف هذه المهنة صعبه وتحتاج لمجهود كبير ولا يوجد عليها اقبال الان، لذلك نجد ان منطقة مثل المناصرة التى كانت فى السابق منطقة تصنيع للاثاث اصبحت الان مكانا للعرض حيث اغلق عدد كبير من الورش ولا يوجد الان فيها سوى عدد قليل من الورش لا يتعدى مثلا ٠٢ ورشه والبعض غير نشاطة لنشاط آخر، وهذا الحال هو حال خان الخليلى هذه الأيام.
عقبات عديدة
هناك العديد من العقبات تحول دون استمرار هذه المهنه يراها الدكتور حسام البرميلى الأستاذ بكلية الهندسة جامعة عين شمس متمثله فى:
- نقص المعلومات لدى الجهات القائمة على تنمية تلك الحرف.
- غياب إستراتيجية قومية شاملة لتطوير تلك الحرف.
- عدم وجود برامج تستوعب طاقات الشباب المهيأ للعمل فى قطاع الحرف اليدوية.
- عجز الكيانات العملاقة الحكومية عن مساندة ذلك القطاع.
- غياب البرامج التى تخدم تنمية الصناعات التقليدية من التعليم الفنى.
و يأتى أخيرا تأثير المناخ الثقافى السائد من عدم احترام كل ما هو موروث أو محلى بما فى ذلك الحرف التقليدية.
ويضيف الدكتور البرميلى لكى تصبح الحرف اليدوية أداة فعالة فى مواجهة البطالة لابد من إعطاء رؤية شاملة تقوم على توحيد الجهود وإنشاء هيئة قومية لمساندة هذه الحرف ودعمها وتكوين قواعد بيانات عنها والتواصل مع الهيئات الدولية المعنية وتوفير الخدمة الاستشارية المجانية للصناع الحرفيين.
ويؤكد الدكتور البرميلى على أهمية القيام بدراسات مستقبلية للتنبؤ بالأبعاد الاقتصادية لتلك الحرف والبحث عن طرق لتنميتها وإعداد دراسات جدوى للمشروعات الصغيرة فى المحافظات ودعم الخامات المستوردة التى تدخل فى بعض الصناعات التقليدية مثل الفضة والصدف والعاج وكذلك دعم المنتجات الموجهة للاستثمار والعمل على ربط التعليم الفنى بالحرف التقليدية.
ولا تقتصر الحرف اليدوية على النقش على النحاس بل تمتد لتشمل الحفر على الخشب والتطعيم بالصدف و تشكيل الزجاج والسجاد اليدوى و الأرابيسك.


تحقيق:سها محمود

0 تفاعل معنا: